أحدث المشاركات

(المرحلة الانتقالية للأمة) من اليقضة إلى النهضة - د. خالد عبدالله الحوري

 لماذا يبدو طريق العودة أقصر من الذهاب ؟!


تمر الأمم بين كل مرحلتين حضاريتين بمرحلة انتقالية بينهما وهي من المراحل الحساسة في حياة الأمم والأجيال ولها ما بعدها فإن أحسن إدارتها كان القادم أسهل وأكثر إشراقا وإن أسيء إدارتها كان القادم أكثر ضبابية وعتمة.


تمر الأمة الإسلامية في هذه الأثناء بمرحلة مفصلية بين مرحلتين نهضويتين فهي تتهيأ للانتقال من مرحلة اليقظة إلى مرحلة النهضة و المرحلة بين المرحلتين من أشق مراحل الأمم فإذا نظرت إلى هذه المرحلة من حياة أوروبا ستجد أنها قدمت في ظل نجاح هذه المرحلة أكثر من مائة مليون قتيل ومبالغ مالية أهلكت اقتصاد بعض دول أوروربا, ونزيف الأمة اليوم والسجون التي تمتلأ بالعلماء والمصلحين وسادات مرحلة الإيقاظ كله من مشاق المرحلة الانتقالية بين اليقظة والنهضة.. ولأن الأمة في هذه المرحلة تفتدي نفسها بكل أملاكها.


ولأن البون شاسع بين المرحلتين الحضاريتين ولوجود خصوصية لكل مرحلة تميزها عن الأخرى كان لا بد من معرفة سماتهما لنسج الأسلوب الأمثل لقيادة المرحلة , فالأولى اتسمت بحشد المصلحين لإيقاظ الأمة النائمة, كما اتسمت الوسائل المستخدمة فيها بالنداءات المتنوعة المتكررة المتعالية الكثيرة وكان يتم بناء القادة فيها لقيادة مرحلة اليقظة, بينما تتسم مرحلة النهضة بالسببية الحرفية الصناعية والبناء الإنساني على أهداف التمكين والهيمنة والأخذ بتلابيب العالم لقيادته وبناء أفخر مما بنى العالم وصناعة أفخر مما صنع العالم , وتتسم وسائلها بالفاعلية والعملية والسببية وسيكون التدافع الحضاري بين حضارات العالم على أعلاه وربما يأخذ في المنحى العسكري في كثير من منعطفاته.


في ظل البون الشاسع بين المرحلتين لا بد من قيادة المرحلة الانتقالية باحترافية عالية وتحت منظومة أهداف تتسم بالعمق الاستراتيجي وبناء القدرات التحليلية عبر مؤسسات تخصصية وبناء الصف على سباعية الهيمنة العالمية المالية والإعلامية والعسكرية والتعليمية والجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني والوجاهات المجتمعية.


لابد أن يتسم قادة المرحلة الانتقالية من اليقظة إلى النهضة بسمات تمكنهم من التميز في إدارة المرحلة, ولعل من أهم تلك الصفات التمتع ببعد النظر والقدرة على الرقص على المكر السياسي والمهارة العالية في ضرب الباطل ببعضه وبناء مؤامرة داخل كل مؤامرة والتجلد في الوصول للغايات والقدرة العالية في تقليص المراحل بين كل مرحلتين واختصار المسافات بين كل مسافتين, وعلى رأس تلك الصفات الثقة المطلقة بنصر الله وتأييده مهما لاحت مظاهر الهزيمة ومهما قرب العدو من نيل الانتصار , ومجابهة المنظومة الإعلامية العالمية المدمرة عبر اليقظة الدائمة والرد الدائم, وحشد كل طاقات المجتمع الإسلامي دون تفريق بينها من جماعات وأحزاب ودول مع أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر منها جميعا.


قائد المرحلة الانتقالية نوع خاص من القادة أعد لهذه المرحلة باختصاص, فهو دائم اليقظة كثير التدبير عميق التفكير يقرأ ما وراء الأحداث لا تخدعه المظاهر يتسم بالأولية سباق إلى حجز ميادين العمل يجيد إثارة الهمم وبعث الإرادات وإلهاب الحماس وله فراسة ثاقبة في معرفة الرواحل القادرين على القيادة من بين الصفوف المتراصة قادر على استيعاب أقصى طاقات فريق عمله وتوظيفها نحو تحقيق انتقالة أكثر سلاسة وبأقل التكاليف وأعلى درجات الجودة من اليقظة إلى النهضة.


كما أن من سمات هذه المرحلة من حياة الأمة سقوط الأقنعة والزعماء والأمراء وحتى سقوط العمائم, كما أن من سماتها أيضا تكالب أعداء الخارج واصطفاف أعداء الداخل وتنسيقهم مع العدو الخارجي لأجل هدف واحد , وتشتت العوام وعدم قدرتهم على التمييز بين الأصدقاء والأعداء خاصة في ظل امتلاك العدو لأكبر ماكنة إعلامية عالمية, ومن السمات التساقط الداخلي لمن كان يظن بهم الثبات والقيادة في الوسط الحضاري الإسلامي حتى أنا سنسمع كثيرا عن تساقط بعض مشاهير العلماء,  و المحاولة الجادة للعدو في إكمال السيطرة والهيمنة قبل فوات الأوان وإحراقه للخطوات والمراحل لأجل الوصول السريع وهو ما سيرتد عليه ثورة أممية بعد اكتمال مرحلة الاحتقان الشعبي.

ليست هناك تعليقات