ميلاد الأمم - د. خالد عبدالله الحوري
لكل أمة ميلاد, ولكل ميلاد مراحل تكون, واكتمال بنية, ونفخ روح, ومن ثم مخاض وولادة , وفي هذه المرحلة من حياة الأمم يتم وضع البصمات التي تميز هذه الأمة عن غيرها أو عن سابقتها من الأمم , فيتكون المولود الجديد بكل جزئياته وأعضاءه.
في هذه المرحلة من حياة الأمم تتكون عقولها , وترتسم كل ملامحها, وتتأسس قيمها , ويتم بناء خارطتها الوراثية , لتحملها الأجيال عبر التاريخ.
في المرحلة الجنينية للأمم يتحدد عمرها الزمني وملامح نهاياتها , فبعضها تعيش لحظات , وبعضها تعيش أكثر من مائة سنة, والبعض الآخر يصل إلى ألف عام .
أعمار الأمم يحدده الصناع, والنهايات تحددها البدايات, والصفات تحددها القيم, والعملقة تحددها جينات الخليط الوراثي والثقافات المتداخلة في تكوين الشخصية.
يحدد في الأثناء سعادة الأمم وشقاوتها , ويحدد ذلك قيم السعادة التي جعلها الله سنة في الأرض, فأمة السلام والرحمة العالمية والتعاون والتشاور وعدم الاستبداد والإيثار للآخرين والبعيدة عن الأنانية والملتزمة بالقيم هي أمة السعادة.
وأمة الاستبداد والجحود والتآمر والثعلبة والمكر والقتل والنهب هي أتعس الأمم حياة.
يلاقي المولود التاريخي الجديد كثيرا من المخاطر أثناء تكونه , وخاصة في أيامه الأولى , والتي كل واحد منها كفيل بإجهاضه, أو على الأقل خروجه مشوها عاجزا عن الإنتاج, فحينا يتآمر عليه أعداءه لقتله جنينا في بطن أمه, وحينا تسقى الأمة علاجات قاتلة يقال لها أنها تفيدها وتسهل عليها المولود الحضاري بينما تقوم بقتله , وحينا يتم التلاعب في جيناتها الوراثية لتكون مولودا مهجنا مسخا , فحينا يراد لها أن تحمل علمانيا وحينا ليبراليا وحينا شيوعيا وتأبى الأمة الإسلامية أن تحمل إلا الحضارة الإسلامية.
تتجدد حياة الأمم بميلاد جديد يجدد حياتها ويعيد بنائها ..تتجدد حياتها ببناء الخطط وكتابة الأحلام والسير على طريق الإنجاز.
ومن عجائب الأمم قدرتها على توليد نفسها من جديد, فما يأسن ماؤها ويعقم رجالها ويهرم أبطالها حتى تتهيئ الأمم لولادة جديدة تصبح كل مآسيها وأحزانها من الماضي ..تتجدد أحلامها وتبنى آمالها وتشب طموحاتها وتعود خلاياها إلى كامل عملها في البناء الأممي.
وتتهيئ الأمة الإسلامية اليوم لميلاد جديد ..مائة عام من التكون والبناء الجنيني ..مائة عام من بناء الأفكار وإعداد القادة وتهيئة الأمة ..مائة عام من التأليف والكتابة واليقظة...مائة عام من العمل الدؤوب المتواصل في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفردية والجماعية .
اليوم اكتمل المولود وتهيئ للخروج إلى الحياة...لذلك لا عجب فيما نشاهده من تحرك وضطراب هائل لأعداء هذه الأمة محاولين إجهاض هذا الجنين أو إصابته بعاهة مستدامة تمنعه العملقة التاريخية.
سيخرج المولود الجديد ليملأ الأرض عدلا ورحمة ونورا ويحمل مشعل هداية البشرية من جديد وينير للعالم طريقه إلى الجنة .
سيأتي المولود الجديد ليطفئ نار المجوس وإلحاد البشرية ويحمل رسالة التوحيد للعالمين.
ليست هناك تعليقات