✨التطبيع مع الصهاينة مدخل شرعي تحليلي✨ - د.عبدالمجيد العمري
أحد الفضلاء حين ناقشنا موضوع التطبيع أورد قاعدة ( تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة) واحتج كذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم صالح المشركين واليهود؛ والمشكلة أن البعض لا يفرق بين القاعدة من حيث هي قاعدة مجردة ومن حيث تطبيقها على الواقع ؛ تحقيق مناط النازلة المراد دراستها بحسب تعبير الأصوليين؛ فالسؤال هنا هل يجوز التطبيع مع الصهاينة الموجودون في أرض فلسطين؟
هذه نازلة تحتاج دراسة لأبعادها القانونية والاقتصادية والتاريخية ومؤشرات العلاقات الدولية؛ و مستوى تحقق المصلحة وانتفاء المفسدة ومآلات التطبيع ؛ هذه حيثيات يتم التحقق فيها قبل الحديث عن قاعدة " تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة" لأن المصلحة تحددها هذه الأبعاد والإمام ملزم باعتبارها.
لا خلاف بأن الصلح والسلم مبدأ قرأني والنبي صلى الله عليه وسلم صالح المشركين لعشر سنوات؛ والقرأن اعتبر السلم معطى أساسي لحفظ الأنفس وقوام الحياة؛ قال تعالى(وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال. والنبي صلى الله عليه وسلم صالح اليهود في المدينة؛ لكنه حين نقضوا العهد حاربهم وأجلاهم؛ فمسألتنا اليوم أقرب لصورة النقض والنكث التي وقعت من يهود بنو النظير وبنو قينقاع.
على المستوى الجغرافي أصحاب الحق؛ أصحاب الأرض؛ جزء منهم محاصرون في قطاع غزة والجزء الآخر لاجئون في دول الجوار؛ والبقية يعيشون في انتظار حلم الدولة؛ فهؤلاء هم أصحاب القرار في التطبيع ذمتنا من ذمتهم وفي الحديث ( المسمون هم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) وقد تحمل الفلسطينيون القتل والتشريد وأنواع القهر فكيف بنا نخذلهم ؛ ونتجاوزهم !!
المقاطعة سلاح ردع آتت أكله؛ وهو سلاح غير مكلف؛ وهو الأصل والجاري به العمل على الأقل لخمسين سنة مضت؛ فتغيير هذا المشهد يحتاج معطى شرعي جديد؛ وحالة الفرح التي وصل إليها اليهود بالتطبيع دليل أن المقاطعة كانت سلاح فعال؛ فكسر هذا السلاح نوع من الخذلان.
وعلى مستوى التأثيرات والتأثر القضية عمرها 70 سنة وتحتل مكانة في العقل العربي والإسلامي؛ فالعالم العربي 400 مليون؛ والإسلامي مليار و700 مليون ودعاة التطبيع لا يتجاوزون 20 مليونا ؛ وهذا يعتبر افتيات بين يدي الامة الإسلامية والعربية فالقضية لها بعد عربي وبعد إسلامي؛ وهذا البعدان مؤثران في الحكم الشرعي؛ لوجود الأقصى والقدس..
على المستوى التاريخي والقانوني هناك قرارات دولية ومبادرات عربية؛ من المهم البدء من حيث ما انتهت هذه الاتفاقيات وعدم القفز عليها ؛ لأن الإتفاقيات تبقى عرف دولي والعرف شرع ؛ والمعروف عرفا كالمشروط شرطا ؛ وهناك عهود ومواثيق لا يجوز نقضها فكما لا يجوز على الصهاينة نقضها لا يجوز على بعض الدول العربية تبنى رؤى تتعارض مع هذه الاتفاقيات وتنقضها لتضر بالعرب والمسلمين
على مستوى المصالح والمفاسد؛ والأبعاد الاقتصادية ؛ لا يوجد شيء يمتلكه اليهود لا تمتلكه بقية الدول المسالمة؛ فالتطبيع فيه مصلحة لليهود متحققة ومصلحة للمسلمين متوهمة؛ ومن يحدد مستوى المصلحة والمفسده هنا ؛ الضرورة التجارية والحياتية ؛ وقد عاش العالم العربي 70 سنة ؛ وعاشت قضيته في جيلين متعاقبين؛ ولم يحتج أحد لليهود.
على مستوى مآلات الحكم ليس هناك ضمانات حقيقية لعدم التوسع من اليهود؛ والدليل نقض جميع الاتفاقيات السابقة؛ فالتطبيع كما يشتمل على اعتراف وتنازل عن حق العودة والأرض فيه منح العدو حق التوسع؛ لان الضمانات لا توجد.
واذا اردت أن تدرس خطورة المآلات هنا عليك أن تدرس خطورة مآلات اتفاقيات سايس بيكو وقبلها وعد بلفور وما حصل بعدها من توسعات واعتداءات.
هذه بعض المعطيات التي لا ينبغي إهمالها ؛ والنظر للقضية يجب أن يكون بكامل أبعادها؛ وما سبق ذكره أفكار أولية تعطي القارئ تصور أولي من خلاله يمكن فهم المسألة.
ليست هناك تعليقات