أحدث المشاركات

مذكرات في زمن الكورونا - رهان باسكال (نظرية الإحتمالات) تقييم وتحليل: - د.عبدالمجيد العمري

في رهان باسكال | تأملات أولية

بليز باسكال فيزيائي ورياضي فرنسي، أحد أعمدة النهضة الأوروبية في القرن 17م. مخترع الآلة الحاسبة، أشتهر بكثير من الأعمال ومنها نظريته المشهورة نظرية الاحتمالات، كان باسكال شديد التدين، وعرف عنه محاربة الألحاد، واستخدام النظريات الرياضية في سبيل الدعوة إلى التدين.

 ومن هذه المعادلات الرياضية المشهورة ما أسماها "نظرية الإحتمالات"وهي تنص على الآتي:
1. إذا كان الله موجودا وآمنت به = فسوف أفوز بالحياة الخالدة وهذا ربح كبير.
2. إذا كان الله موجودا ولم أومن به = فالخسارة ستكون فادحة وسأنال عذابا أبديا في الجحيم، وهذه خسارة كبيرة.
3. إذا كان الله غير موجود وآمنت به = فالخسارة ستكون قليلة مقارنة بالخلود في النار.
4. إذا كان الله غير موجود ولم أومن به = فالربح هنا محدود.

ويمكن تقييم هذه الرهان الإحتمالي على النحو التالي:
أولا : تنفع هذه المعادلة في التهيئة للإيمان لصنف المتحيرين، لتدفع نفوسهم للبحث والنظر والتأمل، وذلك أن التهديد بالعقاب الشديد حال عدم الإيمان يستوجب الخوف ومن ثم الرصد والتحليل لأدلة أدعياء الإيمان بالله واليوم الآخر، ولا شك أن باسكال حين وضع هذا الرهان، لم يقصد إلى الاستدلال العقلي المنضبط على وجود الله، وإنما قدّم للمتشككين المتحيرين الذين استوت لديهم الأدلة وهذا المنطق ورد في القرأن في بعض مراحل الجدال مع الكفار (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) النساء.

ثانيا: فحوى الرسالة النبوية ترتكز على الشهادة والبشارة والنذارة، ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) سورة الأحزاب فالوعد والوعيد والترغيب والترهيب خطاب قراني أصيل، والنفس البشرية مصقولة على النفع والحذر، وهما معولان لتقييم النفوس وتهذيبها، ووسيلتان للإيمان، فالإيمان أمر لا يمكن تكلفه مع عدم تيقن القلب، والإيمان ليس قرارًا يمكن اتخاذه بل هو رد فعل لأدلة نصدقها، يستحيل أن يكون على  سبيل الإحتياط، ولا يكون بدافع المخاطر والمكافآت فقط.

ثالثا: الإيمان إحساس معنوي يقر في القلب، وتنطلق الجوارح تفاعلا معه، يعتمد على القناعة، ويتناسب مع الفطرة البشرية، فالاطمئنان، والسكون، والرضا مؤشرات الإيمان ودليل عليه، فلغة الوعد والوعيد نافعة في المراحل الأولى لدفع الناس لسماع خطاب الشرع والكون، ونافعة فيما بعد حين يستقر الإيمان، لتمنع من نقصانه بالمعاصي والآثام. 

رابعا : السؤال المحوري هل شعور الملحد بعدم وجود خالق يعتبر  شعورا سويا، لا يحدث أي تناقض، أو تساؤل؟ ويستطيع الملحد أن يتكيف معه بسهولة. عمليا أكثر من 80% من العالم متدين، يؤمن برب وخالق، وأنه محكوم بقوة مسيطرة، يلجأ أليها حين يشتد الخطب، بغض النظر عن صحة المعتقد في هذا، فالشعور بالاحتياج والإفتقار للرب هو الأصل، وتجاوز هذه المشاعر وكبتها خلاف الأصل ولذا القران تحدث عن مصطلحي الفطرة والصبغة، وهما مصطلحان بليغان في توصيف كنه الشيء ومظاهره ( صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) سورة البقرة.

خامسا : كما أننا يمكن أن نقول إن هذا الرهان يمكن عرضه بأساليب أخرى مختلفة، خاصة في تفصيل قضية الربح والخسارة، وذلك باعتبار الربح المعنوي المتيقن في الحياة الدنيا، بدلا من اعتبار الربح المحتمل في الآخرة، ومنطلق هذا الرهان أن رسالات الأنبياء رحمة للبشرية، ومعيارا أممي في الأخلاق والقيم، فالرسالات تقوم على الإحسان والرحمة، وبر الوالدين وصلة القربى، والوقوف ضد الظلم والطغيان والفساد ويكفي هذه الأية في فهم الخطوط العريضة لرسالة الإسلام :"  ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) (90) سورة النحل وبنظري لولم ينزل من القرأن الا هذه الآية لكفت.

ليست هناك تعليقات