مذكرات في زمن الكورونا - يوما ما سنندم على هذه الأيام: - د.عبدالمجيد العمري
وضع أحدهم سؤلا من ماذا تخاف؟
أجأب أحدهم " أخاف أن يمضي بي العمر وانا لم أفعل شيء يحبني الله لأجله". والحقيقة يوما ما سنصبح أثرا بعد عين، وذكرى بعد حدث، وسيطول في القبر مكوثنا، ونتمنى عملا مشرفا متقنا خفيا تتزكى فيه نفوسنا، وتتطهر فيه نفوسنا يصلح أن يكون برهان إيمان ودليل صدق وإحسان
هذه الأيام المباركة عشر من ذي الحجة تمثل محطة يتزود منها العابرون، ويشرب منها العطشى من هواجر صحراء الحياة الموحشة، يرتبون الأوراق المبعثرة، ويعيدون هيكلة الاوليات بناء على توازن العلاقة بين الروح والجسد
ليس بالضرورة أن تصوم النهار وتقوم الليل وهذه أعمال طيبة ومباركة، لكن هناك أعمال متعدية ولمسات حانية، يحتاجها المكسور، وينتظرها المكلوم، فكم من مظلوم ومقهور، وكم من جروح لم تندمل بعد ، وأسقام لم تبرأ.
إقتحام العقبة يحتاج مشاعر مختلفة أكثر شجاعة وإصرارا ، وبذل في الإنفاق والعطاء ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) سورة البلد.
جميل أن تمنع نفسك من الطعام لتتقي هواجر عرصات القيامة، ورائع أن تسند قدميك في جوف الليل تنادي الله بصدق وإخلاص، وتبتهل بيد يديه، فما أقامك ولا مكنك من رفع يديك إلا لانه يحبك، لكن الأجمل من كل ذلك لحظة صفاء توازي لحظة صفاء اليهودية التي سقت الكلب فدخلت الجنة، وذاك الذي رفع الأذى عن طريق المسلمين فدخل الجنة، فكم هو حجم الأذى القابع على رؤس المساكين، وكم هي البطون الجائعة من بني آدم في مشارق الأرض ومغاربها.
وأنا اقرأ في ترجمة التابعي أويس القرني رحمه الله ذلك التابعي الخفي النقي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، والذي كاد أن يكون صحابيا لولا أمه، وأتصور عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بجلالة قدره يقف بين يديه يطلب منه الإستغفار، ما هو السر، وما هي الشفرة التي اقتحم فيها رحمة الله، ووصل إلى هذا المعجزة المبهرة، انه البر بأمه، فيا لله العجب من عظمة هذا الدين في بر الوالدين، ويا لله العجب كيف فهم هذا التابعي مقاصد الشريعة والأعمال المتعدية، ولم يرى الصحابة، فما أسهل طريق الجنة على من سهله الله عليه.
في إحصائيات متنو عة تشير إلى أن عدد مسلمي الصين الشعبية يربو 120 مليون نسمة، وعند السبر التاريخي لدخول الإسلام إلى الصين تجد صحابيا جليلا قاد معركة القادسية، وأحد المبشرين بالجنة قبره في الصين، إنه الصحابي الجليل سعد ابن أبي وقاص، فمن يخلف سعد رضي الله عنه في الدعوة، وأين الكوادر المتخصصة التي تقتحم الإعلام لتنشر هذا الدين العظيم؛ وتتحمل مسؤلية إبلاغ الرسالة إلى المعمورة.
كف الأذى أقل ما يمكن عمله في هذه الأيام المباركة، وفي ظل الانقسامات الحادة، والخلافات العميقة بداخل الجسد الإسلامي نحتاج اليوم نتدارس موقف الصحابي الجليل سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه عندا طُلب منه المشاركة في المعركة التي وقعت بين الصحابة؛ فأجابه سعد : " أريد من مائة ألف سيف، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا، وإذا ضربت به الكافر قطع". فيتركه وعزلته، وحين انتهى الأمر لمعاوية, واستقرت بيده مقاليد الحكم سأل سعدا:
مالك لم تقاتل معنا..؟؟
فأجابه:" اني مررت بريح مظلمة, فقلت: أخ .. أخ.. ، واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني.." فهذه السياسة العميقة في تجنب الفتن، وترك الولوغ في الدم ظاهرا وباطنا منهج الأتقياء وطريق الذين سلكوا طريقا منحدرا يوصلهم إلى جنة الخلد
كثيرة هي الأشياء التي نخاف منها، ونحزن عليها، لكن الغبن والألم الشديد سيكون في عرصات القيامة في التفريط وترك الصحائف فارغة بلا عمل صالح ، نقدمه بين أيدينا وخصوصا في هذه الأيام الفاضلة..( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ..) سورة التغابن (9)
وقد ثبت في الحديث ( نَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا)) رواه الطبراني وصححه الأ لباني.
ليست هناك تعليقات