لماذا فرض الله الحجاب على المرأة دون الرجل؟ - د. سلطان العميري
هذا السؤال من الأسئلة التي كثيرا ما تطرح منذ زمن، وقد أجاب عنه كثير من العلماء والمفكرين بأجوبة متنوعة.
ولا شك أن فرض الحجاب له حكم متعددة، ولا أريد أن أذكر هنا كل ما ذكر من الحكم، ولكني أريد أن أبرز حكمتين أراهما من أهم ما يحتاج إلى التأكيد عليه في هذه الأزمان.
الحكمة الأولى: الابتلاء والامتحان، فالتكليف قائم على ابتلى العباد وامتحانهم في تصديقهم وإيمانهم وحبهم لربهم، وفيه قدر عال من مخالفة الهوى والرغبة.
ويجب ألا تغيب هذه الحكمة عن نفوس المؤمنين المحبين لله تعالى، فالله ربنا ونحن عبيده، وهو خالقنا الغني عنها ونحن الفقراء إليه، وهو إلهنا ومعبودنا، ونحن العابدون المحبون له الراغبون في لقائه وفضله، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وإنما عليهم السمع والطاعة والخضوع والإنابة، والله يحكم لا معقب لحكمه.
فالكريم الكامل حبيب القلوب يأمر بما يشاء، والعبد الفقير المحب يلتزم بما شرعه محبوبه، ويشعر بلذة العبادة وجمال الاقتراب من محبوبه.
فكما أن الله ابتلى الرجال بأمور خاصة بهم في العبادات، فكذلك امتحن النساء بأمور خاصة بهن، وعلى كل جنس أن يلتزم بما أوجبه الله عليه.
فالله تعالى ابتلى الرجال بوجوب الخروج إلى الصلوات الخمس في المساجد، وابتلاهم بالخروج في الجهاد والقتال إما وجوبا أو استحبابا، وغيرها من التشريعات الأخرى، ومن الحكم الظاهرة في مثل هذه التشريعات الابتلاء في صدق الإيمان بالله تعالى.
فكذلك الحال في المرأة ابتلاها الله بعدد من التشريعات الخاصة بها، كالحجاب وغيره.
فإذا انقدح في ذهن المسلم شيء من التردد أو الشك أو عدم الاقتناع ببعض التشريعات فلا بد أن يتذكر هذا المعنى، فإنه من أقوى ما يزيل تلك الشكوك ويعزز اليقين في القلوب، ويضبط بوصلة العقل والتفكير.
الحكمة الثانية: أن المرأة تمتاز عن الرجل بما أودعه الله فيها من مظاهر الأنوثة والجمال، وعوامل الإغراء، وهي محل لنظر الرجال، فالرجال مفطورون على ملاحظة تلك المعاني في المرأة، والمرأة مفطورة على الاهتمام بتلك المعاني في ذاتها، ولهذا هن أكثر اهتماما بمظاهر الجمال من اللباس ومساحيق الزينة، وغيرها.
فحتى لا يكون تعامل الرجل الأجنبي مع المرأة بحسب أنوثتها وجمالها وعوامل الإغراء عندها، فيظلمها أو يظلم غيرها من أجلها، وإنما يكون بحسب إنسانيتها وحقوقها وأخلاقها ودينها شرع الله الحجاب، فالرجل الأجنبي لا يرى الجمال وعدمه ولا يدرك مدى قوة عوامل الإغراء عند المرأة التي يتعامل معها؛ لأنها محجبة، فينصرف تعامله إلى الأمور الأخرى التي تحفظ للمرأة حقها، فيتعامل معها بحسب ما لها في الحقوق.
فتشريع الحجاب للمرأة في الحقيقة حفظ لحقوقها وحقوق غيرها من أخواتها، وضبط لقاعدة التعامل بالعدل معها، وتشريف للمرأة بأن جعل التعامل معها يكون بقوانين العدل لا بقوانين الجمال والقبح وقوانين الإغراء، فتتحول إلى سلعة يختلف الرجال في تقويمها.
فبدل أن يتعامل الرجال الأجانب مع المرأة بحسب جمالها وشكلها ومعالم أنوثتها، شرع الإسلام إخفاء كل هذه الأمور، حتى لا يبق للرجال إلا التعامل معها بإنسانيتها وحقوقها الثابتة لها وأخلاقها ودينها.
ومن المعلوم أن مظاهر الأنوثة والجمال وعوامل الإغراء لا تملكها المرأة، فالله سبحانه هو الذي وزع تلك الأمور بين النساء، وكذلك هي من الأمور النسبية التي يختلف الناس فيها كثيرا، وكذلك هي لا تبقى للمرأة دائما، وإنما تزول عنها بالكِبَر في العمر أو بأي عامل آخر، فما ذنب المرأة أن يعاملها الرجل الأجنبي معها بأمور هي لا تملكها أو قد تزول عنها؟!! وما ذنب المرأة أن يتعامل الرجل الأجنبي معها بأمور نسبية قد يراها رجل مغرية ولا يراها الآخر كذلك، فتضيع حقوقها وتتحول إلى سلعة تتجاذبها أنظار الرجال؟!!
فالعدل كل العدل أن يكون التعامل مع المرأة بما لها من الحقوق لا بما تتصف به من الصفات في جسدها، فهي ليست سلعة تباع وتشترى.
ولأجل هذا فالحجاب لم يفرض على المرأة المسلمة في كل أحوالها، وإنما فُرض عليها في حال خروجها من بيتها والتعرض لمن هو أجبني عنها.
فتشريع الحجاب فيه تشريف للمرأة، وحفظ لحقوقها، وضبط لقواعد تحقيق العدل الاجتماعي، وإعلاء لقوانين التعامل الإنساني.
ليست هناك تعليقات