الفقراء وقود النهضة عالميا - د. خالد عبدالله الحوري
هذه حقيقة يفاجؤك بها التاريخ .. فالمرفهون والمدللون وأصحاب الرغبات دائمة التلبية ليسوا وقود النهضة ولا قادتها فالنعيم لا يدرك بالنعيم.
فمن أرد لنهضته أن تنجح فليجمع حولها الفقراء والأيتام والمعوزين والمحتاجين فهم حطبها الملتهب و شرارتها المتقدة وشعلتها المضيئة , فلا تستهينوا بالفقراء فهم سيل لا يقف أمامه جبروت العالم ونهر يملئ جداول الأرض ونسمات تتوزع على أنوف الدنيا.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم .. وقد أنب الله رسوله لاهتمامه بعلية القوم وتلهيه عن الفقراء والضعفاء ولفت نظره إليهم كمكون استراتيجي لبناء أمة الإسلام العظمى.
لم يطلق أساطين أوروربا شرارة النهضة الأوروبية الأولى إنما أطلقها فقرائها وسلوا الجيوش التي ضحت بحياتها من أجل الحياة الكريمة إلى أين تنتمون سيجيبون فقراء ذوو همم.
للفقراء مزايا العظماء : فكما يشترك اللحم والفول في الفائدة الغذائية , يشترك الفقراء والعظماء في ذات الأوصاف; فهم مشتركون في العفة والصبر والجلد والعصامية والعمل الدؤوب وعدم استعجال قطف الثمار..كلهم هممهم دائبة الالتهاب, يحبون الحياة لأجل الآخرين ..جميهم ينظرون بالأمل ويتحدثون بالتفاؤل ويهتفون بالاتحاد وينادون بالأولية ...ألم أقل لكم روحهم واحدة وصفتهم متحدة.
فكثرة الفقراء ليس معيقا من معيقات النهضة في البلدان, بل مقوما من مقوماتها , وليس خطرا عليها بل فرصة من فرصها ..فالأمة الفقيرة هممها عالية وبأسها شديد ..فهم جيش من لا جيش له وظهر من لا سند له وهم غضب الله على الطغاة وسوط الله على الظلمة ونقمة الله على الجبابرة ..كما أنهم رحمة الله على الأرض ; فهم عمارها وبانيها ومشيدوها ومزارعوها, فكل فضل فيها يعود إليهم, فإنما يأكل الأغنياء مما زرعت أيديهم, ويلبس البرجوازيون مما نسجت أيديهم, ويعتلي الحكام بعروش صنعتها أيديهم, ولولا هم ما قامت الحياة .
بحثت عن المخترعين و الأوائل والمبدعين والرواد فوجدت أكثرهم الفقراء...بحثت عن التجار والوزراء والمقدمين فوجدتهم من كانوا قديما فقراء.. بحثت عن أغلب من دونهم التاريخ في صفحاته فوجدتهم فقراء ذو قيم وبسطاء ذو همم.
ما يحتاجه الفقراء ليتحولوا إلى عظماء شيئا واحدا فقط ; هو وضع أرجلهم على بداية طريق العظمة وهم سيواصلون المشوار بأنفسهم دون عناء ..وطريق العظمة الوحيد هو التربية والتعليم .
ضعوا الفقراء في المدارس وازرعوا فيهم قيم العظمة وانظروا ماذا سينتجون وأي مجد سيبنون ...إنهم خلايا نحل لا تنام أبدا.
ليست هناك تعليقات