الطلبات الدبلوماسية - بقلم✍️د.محمد فيصل باحميش
♦️قال تعالى :(( وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا)).
لقد استخدمت هذه المرأة العظيمة مفردات الذكاء الدبلوماسي قبل أن تضع طلبها على طاولة الاستجابة الفرعونية فقد عملت على تعبيد طريق الاستجابة بالضرب على وتر الأبوة وتحريك مياهها الراكدة في قلب فرعون، وحتى يكتمل مشهد الاستمالة الإيجابية فقد استخدمت أسلوب التبرير لإيقاعه في شرك الاقتناع ومخالفة مرسومه الملكي بتقديمها لأبعاد النفع في التعبير على هدف اتخاذ الولد المجرد من أي اعتبار آخر؛ لأن الملوك عادة ما تبحث عن تبني الأدوات النوعية التي قد تخدم مشاريعها، فكانت النتيجة تنشئة الطفل الرضيع في كنف العناية الفرعونية.
♦️قال تعالى :(( قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين)).
الذكاء الدبلوماسي في هذا المشهد الدراماتيكي يتمثل في كون تلك العقول طرقت أبواب العاطفة لتعطيل روزنامة الحكم والتغيير في إعدادات اتخاذ القرار، وحتى ينقاد الحاكم إلى مربع الموافقة والاستجابة فلم يستخدموا مفردات إسقاط التهمة في طلبهم؛ لأن ذلك سيجابه بالرفض وإنما استخدموا مفردات إلصاق التهمة بغيره ليحصل المقترح على مساحة في تفكير الحاكم ويدخله قيد الدراسة كخطوة أولى لإلغاء مرسوم القبض على بنيامين، كما أنهم لم يضعوا مؤشر الاختيار على واحد منهم بل تركوا حرية الانتقاء لدوائر الحكم والقضاء، وختموا ذلك الطلب الدبلوماسي باستخدام مفردات الثناء والمدح النوعي لاستمالة قلب الحاكم في الموافقة على طلبهم.
♦️قال تعالى :(( قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحونأرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون)).*
لقد استخدم أصحاب هذا الطلب الدبلوماسي استراتيجية انتزاع الثقة عبر مفردات المباغتة القائمة على الإقرار والاعتراف بأهداف المشروع الممزوجة بأحرف الحرص والتوجيه لإيصاله إلى مرحلة الأمان النفسي والشعور بالسلام الداخلي تجاه ذلك التحرك المريب ووأد أي محاولة استفسارية قد تفضي إلى تعطيل مشروع المؤامرة، وحتى يخرجوه من دائرة الشكوك وسحبه إلى مربع الاستجابة فقد صبغوا مشروعهم بألوان الحماية والرعاية البيضاء، وقدموا الضمانات النوعية التي سوف تُسهم في طرق أبواب القناعة وترسّخ مفاهيم الاستجابة في عقله قبل إسقاط مفرداتها على أرض الواقع.
♦️قال تعالى :(( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمنِ مما علمت رشدا)).
تكمن روعة هذا الطلب الدبلوماسي وجمال العرض الدرامي الذي تقدم به موسى ـ عليه السلام ـ لينال شرف الصحبة والجلوس على طاولة العلم والمعرفة الخضرية، في أنه قد استخدم مفردات التبعية المطلقة والاستسلام الكامل لمخرجات العلم والمعرفة حتى لو صُبغت بألوان الممانعة، وحتى تحصل الاستجابة الخضرية لذلك الطلب فقد مزجه بمفردات التواضع بعد أن نزع ثوب النبوة وتقمص ثوب الرغبة في التحصيل العلمي لزيادة رصيده المعرفي النوعي، وحتى لا يلتفت المعلم خارج إطار ذلك الطلب فقد ذكّره موسى ـ عليه السلام ـ بالالتزام الأخلاقي الذي يقع على عاتقه؛ لأن ذلك العلم من نعم الله عليه فينبغي أن يؤدي زكاته بتلقين مفرداته للآخرين.
ليست هناك تعليقات