دقائق الذهب - ✒️ د. خالد عبدالله الحوري

إنها دقائق الثلث الأخير من الليل.. حين يتنزل الله جل في علاه ..بكل عظمته.. إلى السماء الدنيا ويطلب من العالم طرح احتياجاته بكل أبعادها الزمانية والوزنية فهو القادر على كل شي.

هي دقائق الذهب لقادة النهضة الإسلامية عبر التاريخ.. فيها تربوا ..وبنورها تنورت طرقهم.. ومن معينها ارتوت قلوبهم.. ومن صفائها صفت نفوسهم..

عبراتهم التي يسكبونها فيها تتحول إلى سيل جرار يطهر أرجاس أمتهم ..وماء للبنات بناء نهضة أوطانهم.. ومطر ينبت حتى صحاريهم القاحلة.

إنها دقائق صناعة المستحيل في عرف البشر لأنها دقائق مع الله جل جلاله القادر على كل شي ومن لا يمنعه شي.

بهذه الدقائق فقط يسطيع القائد المسلم أن يحيل الجبال الشوامخ الرواسي إلى جند يقاتل معه.. ويحيل الرياح الهوائج إلى نسائم تقود دفة سفينته.. والنار اللظى إلى برد وسلام.

بدقائق الليل الذهبية يكتب القبول لقائد النهضة بين أمته ..يقذف الله في القلوب محبته.. ويجعل له نورا في وجهه ونورا في نظره للأمور والأحداث.. ونورا في بصيرته في رؤية الحلول والاستراتيجيات.. ونورا في مقاله فكأنما يتصبب عسلا.. ونورا في خطواته.. فخطوته بميل.

دقائق الذهب هي رفيقة النجاح وحمل أثقال الأمم: قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا.. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا..

هذه الدقائق تميز بها قادة الإسلام عبر التاريخ وهي أكبر مدرسة تخرجوا منها.. اقرأوا تاريخهم لتجدوها شاهدة عليهم.. 

إنها كنزهم الأكبر ..لا توازيها الدنيا بما فيها ..ولدقيقة منها تساوي ألف جندي بل تساوي أسباب الدنيا مجتمعة.. فوالله لو خيروا بين جيوش الأرض لاختاروها.. أتدرون لماذا?.. لأنهم بها يجيشون كل جند السماء معهم ..ويضمونهم إلى معاركهم في الحياة.

فوا عجبا لقائد نهضة كيف ينام عن مدرسته.. أو يتكاسل عن دقائق ذهبه...كيف وقد سمع النداء هل من صاحب حاجة فأقضيها له.. وهو يحمل هم الأمة التي تكالبت عليها أمم الأرض كلها.

كيف ينام عنها والعالم يكيد به ليلا ونهارا..

كيف ينام عنها وأنين الجرحى والمشردين تهز كيان الوجود.

كيف ينام عنها وسجون العالم تمتلئ بالعلماء والدعاة والصادقين والمصلحين والمسلمين.

كيف ينام عنها وأمته أصبحت في أذيال الأمم ليس لها قيمة أو وزن أو شرف أو حرمة تصان.

كيف ينام عنها وهي الوحيدة القادرة على جمع قلوب المسلمين التي شتتها الأيادي العابثة عبر السنين

إنها أهم دقائق صناعة النهضة وإعادة مجد أمتنا وعودة عزتنا على الإطلاق.