الإدارة بالبركة ..لماذا وكيف؟ - د. محمد ناجي عطية
البركة والتبرك:
مفاهيم أساسية مرتبطة بعقائد المسلمين، حيث يعتقدون أنه لابد من التوفيق الرباني لتسديد توجهاتهم وتصحيح خطوات وإجراءات أعمالهم، وتزكيته من أي خطر على الأفراد والبيئة والمجتمع، بل يكون نافعا وغير ضار ولا خطير، حتى ينمو ذلك العمل ويكون مباركا مسددا، ويتحقق مفهوم الإدارة: تنفيذ الأعمال بجودة أعلى وكلفة أقل ووقت أسرع.
مفهوم خاطئ وشائع:
وهناك مفهوم خاطئ لدى بعض الناس عن الادارة بالبركة، حينما يتحدثون عن أداء الأعمال وهم متعمدون لترك الأسباب وعدم بذل الجهد المطلوب، مع زعمهم زورا أن هذا من التوكل على الله اعتمادا مهم على حلول البركة. وبالمقابل كثيرا ما تسمع بعض الناس يرددون من باب التندر والسخرية؛ إدارة بالبركة تعبيرا منهم عن الصورة السابقة.
حقائق واقعية:
ومن غير أدنى شك أننا لو استوعبنا مفهوم البركة وأدركنا بيقين أثرها العجيب في تحقيق الأهداف وتيسير الأمور، لرأينا العجائب.
فلو تأملنا في حياتنا كم نتعب ونعمل، وبعضنا يواصل الليل بالنهار من أجل أن يوفر العيش الكريم له ولأسرته، ومع ذلك لا نصل الى ذلك، بل كل ما تقدمنا في العمر زاد عناؤنا وزادت أعباؤنا.. فهل تساءلنا لماذا؟
وكم يكرمنا الله بالحصول على المال الوفير، والكثير يحصلون على دخول مناسبة، لكن المشكلة أنها لا تفي باحتياجاتهم المتزايدة.. فهل تساءلنا لماذا؟
ونتعب كثيرا في تربية أبنائنا ونحرص كثيرا على تحسين سلوكهم ورفع منسوب استقامتهم، ونمكث السنين الطوال نربي ونأمل ونتمنى، فاذا بالنتائج – في كثير من الحالات – تأتي مخيبة للآمال.. فهل تساءلنا لماذا؟
وهكذا جهود وسعي وتعب وتربية وعناء، ثم أكثر الناس يشكون مرارا ويعانون كثيرا، ويرون أن هناك خلل ما، لكن لا يدرون ما هو ذاك الخلل الذي نزل، ومن أي الأبواب دخل.
مفهوم إجرائي:
باعتقادي أننا افتقدنا إكسير الحياة وأحلى شيء فيها، وهو تدخل الرب الكبير سبحانه ببركته وتوفيقه وعونه في تسديدنا وإعانتنا على تحقيق أهدافنا، وهو نتيجة طبيعية للإيمان به والتعبد له باللجوء اليه والتوكل عليه عند كل عمل نقوم به، وهذا معنى لم يستغن عنه الأنبياء والصالحون والأتقياء على مر الازمان، وهو وصية الله في كتابه والنبي في سنته وهديه.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) سورة الطلاق
ويقول الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا)، فقد بينت هذه النصوص المقدسة المفهوم العملي الاجرائي المطلوب تطبيقه حتى تتيسر الأمور وتتحقق الأهداف.
ما العمل؟
لذلك نستطيع القول إن البركة تأتي بالاقتناع الحقيقي بها أولا، ثم البحث عن ماهيتها، ودراسة فوائدها وآثار غيابها من حياتنا، وهل الاكتفاء بمجرد الدعاء بالبركة الذي اعتاد الناس تداوله بينهم دون إدراك لحقيقتها كاف للوصول اليها.
والخلاصة:
فاذا راجعنا الأمر رأينا أننا لسنا في بحاجة الى جهود كبيرة فوق وسعنا وطاقتنا البشرية للكسب والتعب والتربية، وإن كانت مطلوبة وبشدة، لكن الذي ينقصنا هو أن يبارك الله في الجهد والرزق والأهل والذرية والوظيفة والمشاريع ، وهذه المعاني لا تأتي إلا بسلوك الأعمال التي تحقق رضا الله وتستجلب توفيقه، حتى يأذن للبركة ان تنزل وللخير أن يعم، فإذا استوعبنا هذه المعاني، فعلينا إعادة صياغة مفهوم إدارة الحياة من خلال الممارسة الحقيقية للتعبد لله بالبركة.
ليست هناك تعليقات