غربال التاريخ - د. خالد عبدالله الحوري

 

ولج الدنيا المليارات من البشر ولم يسجل التاريخ منهم إلا المئات فقط فالتاريخ يأبى أن يدخله الأصفار والضعفاء والأنذال والجبناء والجهال والمتقاعسون والأنانيون وضعفاء البصر وعديمو الحيلة والراكنون على الآخرين وأصحاب أنصاف الحلول والمتشائمون والنقاد بقصد الظهور أو نكران الآخر.

إنه يستحث الخطا باحثا عن الأرقام القياسية ممن آمنوا بمنظومات القيم ويبحثون عن معالي الأمور في كل مجالات الحياة ليدون بريقهم في صفحاته .

فغربال التاريخ عبر الزمن: موازينه متناهية الدقة, فله قوة إحساسية يميز بها بين كل قيمتين وعملين وصنفين ونفسين وبعدين ومنطقين, ويغوص في باطن البشر ليزن نياتهم ومقاصدهم ونظرات قلوبهم وعلو هممهم واشرئباب نفوسهم وفلتات عقولهم وهو المسؤول عن التقديم والتأخير والاختيار لمن يدخل التاريخ منهم ومن لا يدخل.

ازدحام الداخلين إليه لا يمثل له إرباكا ويستحيل أن يتقدم بين يديه من حقه التأخير أو أن يعتلي من حقه التسفل أو أن يخلد من حقه الفناء.

عين التاريخ لا تخطى النظر فما لا يشاهد يشاهده وما لا يذكر يعرفه فهو ينظر إلى أبعد من المقاصد ليرى لماذا قصد القاصد ما قصده وكيف بنى ذاته العلية ليغرف دوافع المقاصد وهي المباني الأبعد في التاريخ.

وللتاريخ لسان صدوق لا يكذب أبدا مهما حاول المدلسون أن يكتبوا ومهما حاول المزورون أن يزورا عبر السنين سلوا التاريخ إن شئتم عن كل ملوك الأرض من ملكوا مشرقها ومغربها وعلمائها وكتابها ماذا كتب التاريخ عنهم وهل خان التاريخ أصحابه وهل حابى أو جامل أحدا وهل أثر فيه كثرة المغالطين واستفحال المزورين سيجيبك التاريخ أنا لا أتحدث إلا بالصدق.