أحدث المشاركات

🌸✨ كم أنتم باذلون ✨🌸 - د. محمد الهجري

 


تأملت في حال التربية ومَنْ يقود زِمَامها ويسوسُ مسيرتها لا سيَّما في المعايشة التربوية للمتربِّين من مختلف المراحل العمريَّة؛ فألفيتها مسيرةً مُضْنيةً مليئةً بالتضحية، عمُودها الصبر، وقوامها الاحتساب.

كم ترك المربي في كثيرٍ من الأحيان ملاذَّهُ ومُتَعَهُ المُباحةَ وراحة جسده، مضَحِّيًا بذلك كُلِّهِ في سبيل أوقاتِ فتيةٍ ونشئٍ يقوم على تعاهُدِهِمْ وتزْكِيتهم، فللهِ درُّك، وبارك لك المولى في وقتك، وذرِّيَّتِكَ.

حاولتُ في مَرَّاتٍ عِدَّة أن أُقْنع بعضًا من الإخوة بإدارة وتسيير عملٍ تربويٍّ يقتضي معايشةً لمجموعاتٍ طلابية في يوم الجمعة، وهو يوم راحةٍ من عناء أسبوعٍ مليءٍ بالعمل، مزدحمٍ بالمشاغلِ، كما أنّه يومٌ عائليٌّ للتَّرويح عن الأهل والأولاد؛ لكنْ لم يكن خيارٌ لإقامة الأنشطة إلا في ذلك اليوم كونه الأنسب للطلاب.

أعرض عليهم أن يسهموا أو يشاركوا في ذلك النشاط وكلِّي تقديرٌ أنَّ هذا العرض لا لوم على مَنْ يقابله بالرفض للحيثيات التي ذكرت، بل إنَّ (لا أستطيع) هو الجواب الطبيعيُّ الذي قفز إلى ذهني وأنا أفاتح الإخوة بذلك؛ لكنْ ما يَمْنَعُنِي منَ المحاولة!! عمومًا جاءت الإجابات في مجملها بالرفض والاعتذار والسبب ما ذكرت.

أدركت حينها قيمة من هُمْ في الميدان مرابطين على ثغورهم التربوية ومحاضنهم التعليمية –لا أدَّعي أنِّي منْهُم لكنِّي أحد المعجبين بهم-، كَمْ أعجب مِنْهُم كيف اقتطعوا من أوقات راحتهم -وهي ولا شكَّ أوقاتٌ ثمينةٌ عليهم- أوقاتًا جعلوها في هذا الميدان العظيم: ميدان التربية الذي يحتاج إلى طول نفس، وسعة بالٍ، وفي مسيرته يقدم المربي كثيرًا من التضحيات، ويتنازل عن كثيرٍ من مُتَعِ الأوقاتِ التي ربَّما كانت مع غيرهِ من الواجبات المحتَّماتِ.

 المرابطون على ثغورنا التربوية: معلِّمين كنتم أو مشرفي برامج شبابية وطلابية، مدرِّسي حلقات قرآنية، مؤهِّلين للقيادات، غارسين للقيم، قبلةٌ على رؤوسكم لِما لَكُم من فضلٍ على مسيرة التربية المباركة.

لا يفتُّ عضدكم أنْ لم تسمعُوا كلمة ثناءٍ من أحدٍ، فذلك الثناء وإن كان أقل حقٍّ نقدِّمه لكُم لكنَّه لا يستهويكم؛ فأنتم من عوَّدنا على العملِ بصمتٍ، علَّمتمونا أنَّ المظاهر خدَّاعاتٍ، وأنَّ البهرجة والزَّخرفة وتنميق الأعمال لا تستهويكم، فالأساسات أنتم من يضعها، واللَّبِناتِ أنتم من يرسم معالمها؛ وإن جنى الثمرَ غيركم؛ فلا عليكم، فطِيبوا نفسًا، وارضوا بالله قسمًا، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.


ليست هناك تعليقات