أحدث المشاركات

فجوة التفكير بين جيل الآباء وجيل الأبناء - د. محمد ناجي عطية

موقع الدكتور محمد ناجي عطية | مدرب ومستشار في بناء القدرات المؤسسية وتنمية  المهارات والكوتشنج


نحن اليوم نعيش في زمن حرية الرأي وما يسمى الرأي والرأي الآخر، ومن سماته اعتداد كل ذي رأي برأيه رغم ضحالة تلك الآراء عند الكثيرين في غالب الأحيان. 


في حين أن زمن الآباء ومن في حكمهم من الكبار كالمعلمين والمربين والمدراء وغيرهم، كان الغالب عليه مبدأ الرأي الواحد، فآباء يأمرون وأبناء يطيعون وينفذون، ومعلم يأمر وطالب يسمع وسرعان ما يستجيب، مع كامل الاحترام والتقدير، ويندر أن يوجد حوار بين الجانبين.


فمع التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وثورة المعلومات وتبادل الثقافات بين شعوب الأرض تغيرت الأوضاع، تأثر معها  جيل الكبار بحيث لم يعد لهم ذلك الدور القوي في فرض الرأي والهيبة على جيل الأبناء ومن في حكمهم من الطلاب والموظفين وغيرهم،  الأمر الذي أوجد فجوة كبيرة بين الطرفين، كان من بعض النتائج التي تولَّدت عنها التنافر والصراع الخفي والمعلن أحيانا في محاولات شتى لإثبات الشخصية مكمن النزاع.


وحتى تسير الأمور بتوافق تام بين جيل الآباء وجيل الأبناء، على الآباء أن يفكروا بطريقة مختلفة ترتكز على عدة موجهات أهمها: أن يستوعبوا طبيعة التحديات المعاصرة التي يواجهها أبنائهم ويقدِّرون معاناتهم وصراعاتهم المريرة من أجل الحفاظ على التوازن في القيم والمعتقدات والعادات بين ما يتطلبه المجتمع التقليدي وبين ما تفيض به عليهم سيول الثقافات المنهمرة المصحوبة بكل عناصر التشويق والجذب والإغراء. 


يضاف الى تلك الموجهات تفهم طبيعة ثقافة جيل الأبناء وطبيعة وتشابك علاقاتهم، والتي باتت مختلفة بشكل كلي عن ثقافة وعلاقات الآباء.


وحتى تظل العلاقة بين الجانبين قوية ومتماسكة يجب على الآباء التفكير بجدية في العديد من العوامل الكفيلة بإيجاد التوازن في نفوس وعقول الأبناء، ومن ذلك: التقبل لأبنائهم وفق الأوضاع المعاصرة المشروحة آنفا، والاعتراف بوجود المشكلة بدلا عن الميل إلى رفضها وإنكارها ثم مدافعتها بكل شراسة بحجة منع التمرد على المبادئ والقيم السائدة في المجتمع. ومع أن هذا المنع صحيح من حيث المبدأ، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار تغير الأوضاع والذي يحتم أن تتغير معها أساليب التعامل مع الأبناء. 


ومن تلك الأساليب: الحوار الودي اللطيف والتفاهم والتقارب والميل إلى الاقناع بدلا عن الميل الى التسلط وفرض الرأي والذي لم يعد له قبولا كبيرا في ثقافة الأجيال المعاصرة. 


وكل هذه الأساليب يجب أن تتم في مناخ ودي يتحقق فيه الأمان النفسي والفكري لدى الأبناء وترك سياسة الترهيب والتهديد والانذارات المتكررة، وإن كانت مطلوبة في حدود معينة.  ويصاحب ذلك غطاء كثيف من المحبة والمودة والعاطفة القوية التي تعيد التوازن العاطفي في نفوس الأبناء الى مستواه الطبيعي، وتعينهم على الصمود رغم قساوة حملات التغريب التي يتعرضون لها.

ليست هناك تعليقات