أحدث المشاركات

سورة يوسف مشاهد وتأملات - ✍🏻 عبدالله عبدالمنعم الكلدي

 اكاديمية مجتهد- سورة يوسف وفضل قراءتها والمداومة عليها - اكاديمية ...


كنت قد بدأت قبل سنتين بكتابة سلسلة من المقالات والكتابات التأملية الشخصية في سورة يوسف بعنوان ( يوسف والبلاء ) وتناولت في كل مقال حدث معين مع مراعاة الترتيب في الآيات ، ثم توقفت ولم أكمل القصة .

ولكن لا زال التأمل في هذه السورة العظيمة مستمراً وسيظل ، ففي كل مرة أقرأ فيها السورة يظهر لي معنى جديد ، وهذا من عجائب القرآن فهو لا تنقضي أسراره ولا تنفد تأملاته .


وأعود هذه المرة لأكتب خواطر وتأملات شخصية تأملتها وأنا أقرأ هذه السورة الجميلة .


- أول ما يشد الإنتباه في بداية السورة هو قول يوسف عليه السلام لأبيه : (( يا أبتِ إني رأيت أحدى عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين )) 

في هذه الآية لمحة جميلة جداً يجب أن ينتبه له الآباء وهي فتح العلاقة مع الأبناء وجعلها علاقة مصاحبة لا علاقة أب وإبن بما ينتج عنها علاقة رسمية وربما تؤدي بالإبن في بعض الأحيان لئن يرتمي في أحضان شخص قد يورده المهالك ، ولكن عندما تكون العلاقة بين الأب وابنه فيها من الإنفتاح بما يجعل الإبن يتكلم بهمه لوالده دون قلق أو خوف من ردة فعل أبيه ، ومن دون حواجز ورسميات فإن النتيجة تتمثل برد يعقوب عليه السلام بقوله :

(( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ))

فلا تبني الحواجز بينك وبين أولادك ثم تشتكي عدم فهمهم لك ، وتعلقهم بأصحابهم ومن حولهم .


- حقيقةً في كل مرة أقرأ فيها السورة أشعر بكمية حب وحنان في الأحداث وهي متمثلة في عدة صور :

١/ ألفاظ ( يا أبتِ ) و ( يا بني )

وهذه ألفاظ فيها من الرحمة والشفقة الناتجتان عن الحب الصادق .

٢/ رد يعقوب عليه السلام عندما طلب منه أبناؤه أن يذهبوا بيوسف معهم 

(( إني ليحزنني أن تذهبوا به ))

يا الله .. 

كم أتعب الفراق قلوب المحبين الصادقين ، وكم أدمع عيون المشتاقين ،

وإن صدق الحب فالنتيجة الحزن على ذهاب المحبوب ، وهذا دليل الحب الصادق.

٣/ قصة امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام والتي كانت في بدايتها:

(( قد شغفها حباً ))

ثم حالت في نهايتها لقولها :

(( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ))

٤/ وأما مشهد لقاء يوسف بأخيه فهو من أكثر المشاهد المؤثرة فيّ ، فتأمل لجمال المشهد: (( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ))

يا الله .. 

ما أحلاه من مشهد ، 

وما أجمله من لقاء ..

يأتي أخو يوسف إلى بلاد غربة فيستقبله يوسف وليس استقبالاً عادياً بل يأوي إليه أخاه وفِي الإيواء كل معاني الدفئ والحب والرحمة ، وبعد هذا يطمئنه ( فلا تبتئس ))


بالله عليك أغمض عينيك ثم تخيل المشهد.. 

ينسلخ القلب شوقاً وحباً لهذه الصورة من الحب والرحمة والمودة ، فهنيئاً لهما هذه اللحظة .

٥/ يذهب يوسف فيحزن يعقوب ويطول بكاؤه ، ثم يذهب ابنه بنيامين وفِي المرة الذي ذهب بها بنيامين يعقب يعقوب على هذا بقوله (( يا أسفى على يوسف )) 

وكأنه كما قال الشاعر :

انقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ما الحب إلا للحبيب الأول   

٦/ مسامحة يوسف عليه السلام لإخوانه وهذا ما حدث في نهاية القصة (( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم )) 


- موقف يوسف من فتنة امرأة العزيز تقفل الأبواب ، وتقول له (( هيت لك ))

فيرد (( معاذ الله )) 

ثم عندما أتى النسوة ويخرج عليهم وتقول له امرأة العزيز مهددة :

(( ولئن لم يفعل ما ءامره ليسجنن وليكناً من الصاغرين ))

فيكون رد العفيف يوسف (( قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ))

فتأمل كيف أنه فضل السجن على الوقوع في المعصية رغم توافر كل ظروفها .. 


- ومن المواقف الجميلة جداً في السورة

 " الأمل " الذي لم ينقطع من يعقوب عليه السلام ، فعند فقدانه لولديه قال :

(( عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً ))

ثم يقول لأولاده الباقين :

(( اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون )) 

فمع قمة الألم والحزن والفقد لم ينقطع أمله بالله ، فما بالنا نفقد الأمل بالله في أبسط موقف ؟


هذه تأملات شخصية سريعة ..

وخواطر يوسفية جميلة ..

والقصد ليس الإسهاب أو التفسير ولكن لمحات على مواقف توقفتُ عليها ..

ومن تأمل في القصة مراراً وتكراراً وجد بها من العبر والدروس الكثيرة جداً ..

فيا حلاة السورة .. 

وَيَا جمال القصة .. 

وَيَا متعة المشاهد ..


فاللهم لا تحرمنا فضلك .


ليست هناك تعليقات