صناعة قادة النهضة بالأحداث - ✒️ د. خالد عبدالله الحوري
هذا هو النوع الثاني من كيفيات صناعة قادة النهضة وهو الذي اختاره الله عز وجل لصناعة الأنبياء عليهم السلام..
فتجد يوسف عليه السلام على سبيل المثال يمر بأحداث جسام منذ نعومة أظفاره.. بين حسد الإخوان.. والقاءه في البئر.. والعيش في ظل الرق.. وفتنة النساء.. والزج به في السجن بضع سنين..ثم يلمع نجمه بعد كل تلك الأحداث الجسام التي صقلته قائدا نوعيا ..ليصبح بعدها قائد نهضة مصر ..ومنقذ البلاد من الهلاك.. ومعلم الناس الخير والحادي إلى الطريق المستقيم.
التربية بالأحداث: سماها الله عزوجل صناعة على عينه ..فقال لموسى عليه السلام وهو يلقي به في الأحداث الجسام منذ نعومة أظفاره.. ( ولتصنع على عيني ).
وهذا النوع من صناعة قادة النهضة: من أقواها تاثيرا في نفس القائد.. لأنها تحفر في شخصيته آثارها فتبقى بارزة للعيان ولا يمكن محوها أبدا..
فقناعاته خبرها وعاشها وجربها واصطلى بنارها..والناس عايشهم وعرف معادنهم ونقاط ضعفهم وقوتهم ..وأزمة قيادتهم..وحبال نفوسهم.. وخبايا أسرارهم.
الصناعة بالأحداث: فن يعرفه الآباء الذين يزجون بأبنائهم في غمار الأحداث ليعيشوا الحدث بأنفسهم ويستخرجوا الدروس والعبر.. فتتحول التجارب إلى قيم في حياتهم.. وتتحول النظريات العقلية إلى حقائق ميدانية..وشتان بين الأمرين.
إن إلقاء النفس في غمار المعترك وهدير أمواجه يصنع القائد القوي الصلب.. يصنع جسمه وعقله وفكره وأسلوبه وحدسه وبصيرته.. ويعرفه على حيل الحياة ودقائقها.
من تصنعه الأحداث: لا يستطيع أن يمكر به الثعالب..ولا أن يلعب عليه خائن.. ولا أن يزيف عليه كاذب.. ولا أن يسبقه مغالط ..ولا أن يلف عليه محتال....فكلهم قد خبرهم في غمار الميدان.
من صنعته الأحداث: يمتاز بالتجلد عند المواجهة والثبات عند فزع الناس.. وسداد الرأي عند قصور المفكرين.. والتأني عند استعجال العوام.. والمباغته عند غفلة الأعداء.. والمبادرة عند قعود الهمم.. والأولية عند انطلاق المسيرة.
الأحداث بطبيعتها نار ونور.. وظل وحرور.. وأبيض وأسود.. وعال وسافل.. وقوي وضعيف.. ففيها كل المعلمين والعباقرة والحكماء ..والماكرين والمارقين والفاسقين والمجرمين ..وكل واحد من هؤلاء مدرسة كاملة.
وهذا النوع من صناعة القادة قديم قدم البشرية.. وهو اليوم من أحدث النظريات العاملة في صناعة قادة النهضة في العالم المعاصر.
ليست هناك تعليقات